فصل: كِتَابُ الصَّرْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فِي الْمِيرَاثِ بِالشَّكِّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَابْنُهُ وَأَخٌ لِامْرَأَتِهِ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَابْنُهُ وَاخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْأَخُ فِي مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ: مَاتَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا، وَقَالَ الْأَخُ: بَلْ مَاتَ الِابْنُ أَوَّلًا، ثُمَّ مَاتَتْ أُخْتِي بَعْدُ.
قَالَ: لَا يُنْظَرُ إلَى مَنْ هَلَكَ مِنْهُمَا مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ هَلَاكُهُ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَلَا يُوَرَّثُ الْمَوْتَى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوَّلًا؛ وَلَكِنْ يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْأَحْيَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَرَثَتُهُمْ مِنْ الْأَحْيَاءِ، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْمَرْأَةَ وَرَثَتُهَا مِنْ الْأَحْيَاءِ وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ الِابْنَ وَلَا يَرِثُ الِابْنُ الْمَرْأَةَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا بِيَقِينٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَمَةً تَحْتَ رَجُلٍ حُرٍّ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَتْ الْأَمَةُ: أَعْتَقَنِي مَوْلَايَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ زَوْجِي، وَقَالَ الْمَوْلَى: صَدَقَتْ، أَنَا أَعْتَقْتهَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ زَوْجُهَا، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: بَلْ أَعْتَقَكِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُوَرَّثُ بِالشَّكِّ وَلَا يُوَرَّثُ أَحَدٌ إلَّا بِيَقِينٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقْت رَجُلًا فَمَاتَ وَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا غَيْرَهُمَا.
قَالَ: لَا تَرِثُهُ مَوْلَاتُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْ مَوْلَاتِهِ مِنْ الذُّكُورِ.
قُلْت: وَهَكَذَا فِي الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا وَفِي الْآبَاءِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَابْنُهُ وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَيَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُوَرَّثُ أَحَدٌ بِالشَّكِّ.
قُلْت: وَلَا يَرِثُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَرِثُهُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنَهَا زَيْدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هَلَكَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا هَلَكَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَتَوَارَثَا.
قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: لَمْ يَتَوَارَثْ أَحَدٌ مِنْ قِبَلِ يَوْمِ الْجَمَلِ وَأَهْلِ الْحَرَّةِ وَأَهْلِ صِفِّينَ وَأَهْلِ قُدَيْدٍ، فَلَمْ يُوَرَّثْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ حَدَّثَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالْعِرَاقِ، فِي الْقَوْمِ يَمُوتُونَ جَمِيعًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ قَبْلُ، أَنَّ وِرْثَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَلَا تُوَرَّثُ الْأَمْوَاتُ مِنْ الْأَمْوَاتِ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَضَى بِذَلِكَ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ حَدَّثَهُ قَالَ: قُسِمَتْ مَوَارِيثُ أَصْحَابِ الْحَرَّةِ فَوَرِثَ الْأَحْيَاءُ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَلَمْ يُوَرَّثْ الْأَمْوَاتُ مِنْ الْأَمْوَاتِ.

.فِي الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَقَالَ الْكَافِرُ: بَلْ مَاتَ أَبِي كَافِرًا، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ؟ وَكَيْفَ إنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا عَلَى دَعْوَاهُمَا هَذِهِ وَتَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ؟
قَالَ: كُلُّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ لِمَنْ هُوَ يَدَّعِيهِ رَجُلَانِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، فَأَرَى هَذَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ مُسْلِمِينَ.
قُلْت: أَوَلَيْسَ هَذَا قَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ لَا تَجْعَلُ الْمِيرَاثَ لِهَذَا الْمُسْلِمِ؟
قَالَ: لَيْسَتْ الصَّلَاةُ شَهَادَةً.
قَالَ: فَأَمَّا الْمَالُ فَأُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ حَتَّى يُقِيمَ الْمُسْلِمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ أَبَاهُ نَصْرَانِيٌّ يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى يُقِيمَ الْمُسْلِمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يُقِيمَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ وَتَتَكَافَأُ الْبَيِّنَتَانِ فَيَكُونُ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِ.

.فِي الشَّهَادَةِ فِي الْمِيرَاثِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ مَيِّتٍ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ أَيُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى الْبَتَاتِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ؟
قَالَ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ قُضِيَ لَهُ بِالْمَالِ.
قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ مَاتَ أَنَّهُ مَوْلَايَ أَعْتَقْته وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرِي أَيَدْفَعُ السُّلْطَانُ إلَيَّ مِيرَاثَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَلَا يَأْخُذُ مِنِّي كَفِيلًا؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا.
قُلْت: فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ آخَرُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ مَوْلَاهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ أَيُنْظَرُ لَهُ فِي حُجَّتِهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يُنْظَرُ لَهُ فِي حُجَّتِهِ وَيُنْظَرُ لَهُ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَتِهِ وَعَدَالَةِ بَيِّنَةِ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ، فَيَكُونُ الْمَالُ لِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْتُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ أَبِي وَتَرَكَ أَبِي وَرَثَةً سِوَايَ أَيُمَكِّنُنِي مَالِكٌ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي الدَّارِ فِي حَظِّي وَحَظِّ غَيْرِي حَتَّى أُحْيِيَهُ لَهُمْ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ قَوْلَ مَالِكٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْخُصُومَةِ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ حَقًّا لَمْ يَقْضِ لَهُ إلَّا بِحَقِّهِ وَلَمْ يَقْضِ لِلْغَائِبِ بِشَيْءٍ لَعَلَّهُمْ يُقِرُّونَ لِهَذَا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ جَهِلَهُ هَذَا الْمُدَّعِي وَلَعَلَّهُ إنْ قَضَيْتُ لَهُمْ ثُمَّ هَلَكُوا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ فَيُقِرُّوا أَوْ يُنْكِرُوا وَقَدْ جَرَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ وَقَضَى فِيهِ الدِّينُ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَهُمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ وَلَا يَقْضِي لَهُ إلَّا بِحَقِّهِ حَتَّى يَعْلَمُوا فَيَنْكُلُوا أَوْ يُقِرُّوا، فَإِنْ أَقَرُّوا كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُمْ قَضَاءً، وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِمْ أَمْكَنَهُمْ مِنْ حُجَّةٍ إنْ كَانَتْ لَهُمْ غَيْرَ مَا أَتَى بِهَا شَرِيكُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: بَلْ انْتَزِعْ الْحَقَّ كُلَّهُ فَأُعْطِي هَذَا حَقَّهُ وَأُوقِفُ حُقُوقَ الْغَيْبِ، وَكَذَلِكَ كَتَبَ مَالِكٌ إلَى ابْنِ غَانِمٍ قَاضِي الْقَيْرَوَانِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ أَيْضًا.

.فِي مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ فَمَاذَا تَرَى فِي مَوَالِيهِ؟ وَهَلْ تَرِثُ الْأُمُّ مِنْ مِيرَاثِ مَوَالِي ابْنِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ بِهِ شَيْئًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَهَلْ يَرِثُ أَخْوَالُهُ وَلَاءَ مَوَالِيهٍ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَمَنْ يَرِثهُمْ؟
قَالَ: وَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ أَوْ مَوَالِي أُمِّهِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَتُهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْعَرَبِ؟
قَالَ: فَوَلَدُهُ الذُّكُورُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ الذُّكُورُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الْقَوْلَ عَصَبَةُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ عَصَبَةُ أُمِّهِ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَهَلَكَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ عَنْ مَالٍ وَلَمْ يَدَعْ إلَّا أُمَّهُ، فَإِنَّ لِأُمِّهِ الثُّلُثَ وَلِمَوَالِيهَا مَا بَقِيَ، وَلَا يَرِثُهُ جَدُّهُ لِأُمِّهِ وَلَا خَالٌ وَلَا ابْنُ خَالٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُمْ الثُّلْثُ حَظُّ الذَّكَرِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى لِقَوْلِ اللَّهِ: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وَلِلْأُمِّ مَعَ الْأَخِرِينَ السُّدُسُ وَمَعَ الْوَاحِدِ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَرَبِ فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلَا يَرِثُهُ خَالُهُ وَلَا جَدُّهُ لِأُمِّهِ وَمَا بَقِيَ فَلِبَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ يَحْرُزُ مِيرَاثَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ذُكُورٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِوَلَدِهِ الذُّكُورِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ وَلَدَ وَلَدٍ ذُكُورًا وَإِنْ تَرَكَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ وَلَاءِ الْمَوَالِي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ عَصَبَةُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ عَصَبَةُ أُمِّهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمَوَالِي فَمَوَالِيهَا عَصَبَتُهُ وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَالٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَ مَوَالِي أُمِّهِ وَرِثُوهُ كَذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَرِثُهُ غَيْرَهُمْ فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَالِ لَهُمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ الْحُرَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا أَنَّ وَلَاءَ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا الَّذِينَ أَنْعَمُوا عَلَيْهَا وَعَلَى ابْنِهَا، فَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ فَبِهَذَا الْقَوْلِ يُسْتَدَلُّ أَنَّ عَصَبَتَهُ إنَّمَا هُمْ مَوَالِي أُمِّهِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ: إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً أَوْ عَرَبِيَّةً وَكَذَلِكَ وَلَد الزِّنَا.
ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَالْحَسَنِ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي وَلَدِ الزِّنَا مِثْلَ قَوْلِ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سَوَاءٌ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا، وَهُوَ مِثْلُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً أَوْ مَوْلَاةً.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ عَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ الْعَرَبِيَّةِ: لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَبَقِيَّتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْحَسَنِ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِثْلُ قَوْلِ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سَوَاءٌ.

.فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَدَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَيُقْسَمُ مِيرَاثُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُوقَفُ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ مَاتَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى بِمَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ كَانَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ الْمُسْمَلِينَ وَلَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ السَّيِّدُ الَّذِي أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَمَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَنْ مَالٍ وَلِلْمُرْتَدِّ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لِمَنْ يَكُونُ هَذَا الْمِيرَاثُ الَّذِي تَرَكَهُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ؟
قَالَ: لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُمْ مَوَالِي هَذَا الْمُعْتَقِ وَلِأَنَّ وَلَاءَهُ كَانَ ثَبَتَ لِلْمُرْتَدِّ يَوْمَ أَعْتَقَهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ أَيَكُونُ لَهُ مِيرَاثُهُ؟
قَالَ: لَا لِأَنَّ الْمِيرَاثَ قَدْ ثَبَتَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْ الْمُرْتَدِّ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْلَى.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا النَّصَارَى فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ هُوَ أَيْضًا وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْهُمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْمِيرَاثِ يَوْمَ وَقَعَ فَيَجِبُ لِأَهْلِهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ.
قُلْت: وَلَدُهُ كَانَ أَوْ غَيْرُ وَلَدِهِ هُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُسْلِمِ يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ فَيَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ ارْتَدَّ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ وَلَا يُعْلَمُ أَطَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ ارْتَدَّ مُكْرَهًا فَإِنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَبِينُ مِنْهُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يَمُوتُ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ عَلَى دِينِهِ فَيُسْلِمُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْل أَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ أَوْ الْمُسْلِمُ يَمُوتُ وَلَهُ أَوْلَادٌ فَيَتَنَصَّرُونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِمْ وَقَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ قَالَ: أَمَّا الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِوَلَدِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ وَقَعَ مِيرَاثُهُمْ حِينَ مَاتَ أَبُوهُمْ فَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْهُ الْإِسْلَامُ إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِيرَاثِ لَهُمْ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَتَنَصَّرُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ قِسْمَةِ مَالِهِ فَإِنَّهُ تُضْرَبُ أَعْنَاقُ أَوْلَادِهِ الَّذِينَ تَنَصَّرُوا إنْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا الْمُعَاتَبَةَ وَالْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ وَيُجْعَلُ مِيرَاثُهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ مِيرَاثُهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَهُمْ مُسْلِمُونَ ثُمَّ تَنَصَّرُوا بَعْدَ أَنْ وَقَعَ الْمِيرَاثُ لَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَأَحْرَزُوهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرِثَ مَا وَرِثُوا إذَا قُتِلُوا عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

.مِيرَاثُ أَهْلِ الْمِلَلِ:

قُلْت أَرَأَيْتَ أَهْلَ الْمِلَلِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ هَلْ يَتَوَارَثُونَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ يَتَوَارَثُوا وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا».

.فِي تَظَالُمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي مَوَارِيثِهِمْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا تَظَالَمُوا فِي مَوَارِيثِهِمْ هَلْ تَرُدُّهُمْ عَنْ ظُلْمِهِمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُعْرَضُ لَهُمْ.
قُلْت: وَتَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؟
قَالَ: إذَا رَضَوْا بِذَلِكَ حَكَمْتُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
قُلْت: فَإِنْ قَالُوا لَكَ: فَإِنَّ مَوَارِيثَنَا الْقَسْمُ فِيهِ بِخِلَافِ قَسْمِ مَوَارِيثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ ظَلَمَ بَعْضُنَا بَعْضًا فَامْنَعْ مَنْ ظَلَمَنَا مِنْ الظُّلْمِ وَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِحُكْمِ أَهْلِ دِينِنَا وَاقْسِمْ مَوَارِيثَنَا بَيْنَنَا عَلَى قَسْمِ أَهْلِ دِينِنَا؟
قَالَ: لَا يَعْرِضُ لَهُمْ وَلَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ وَلَكِنْ إنْ رَضَوْا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ وَرَجَعُوا إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ فِي مَوَارِيثِهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ، فَإِنْ رَضَوْا بِذَلِكَ حُكِمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانُوا نَصَارَى كُلَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَنَصَارَى لَمْ يُرَدُّوا إلَى أَحْكَامِ النَّصَارَى وَحُكِمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ دِينِهِمْ وَلَمْ يُنْقَلُوا عَنْ مَوَارِيثِهِمْ، وَلَا أَرُدُّهُمْ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ.
حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيّ حَدَّثَهُ أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي حَكِيمٍ كَاتِبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الشَّامِ جَاءُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مِيرَاثٍ بَيْنَهُمْ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَكَتَبَ إلَى عَامِلِ بَلَدِهِمْ إنْ جَاءُوكَ فَاقْسِمْ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَرُدَّهُمْ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ.

.فِي مَوَارِيثِ الْعَبِيدِ إذَا ارْتَدُّوا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا ارْتَدَّ فَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لِمَنْ مَالُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ يَمُوتُ عَلَى مَالٍ: إنَّ سَيِّدَهُ هُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ وَالْمُكَاتَبُ، إنَّ سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِمَالِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوِرَاثَةِ إنَّمَا مَالُ الْعَبْدِ إذَا قُتِلَ مَالٌ لِسَيِّدِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَرِثَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ نَصْرَانِيٍّ ثَمَنَ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنْ وَرِثَ خَمْرًا أَوْ خَنَازِيرَ أُهْرِيقَ الْخَمْرُ وَسُرِّحَ الْخَنَازِيرُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ غُلَامًا نَصْرَانِيًّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تُوُفِّيَ وَكَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَيَعْمَلُ بِالرِّبَا فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ مِيرَاثَهُ وَلَيْسَ الَّذِي عَمَلَ بِهِ فِي دِينِهِ بِاَلَّذِي يُحَرِّمُ عَلَيَّ مِيرَاثَهُ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِهِ.

.فِي مِيرَاثِ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْضُ وَرَثَتِهِ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ أَوْ كَانَ جَمِيعُ وَرَثَتِهِ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَجِبُ الْمِيرَاثُ لِمَنْ كَانَ مُسْلِمًا يَوْمَ مَاتَ، وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَوَرَثَتُهُ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ عَلَامَ يَقْتَسِمُونَ، أَعْلَى وِرَاثَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ عَلَى وِرَاثَةِ النَّصَارَى؟
قَالَ: بَلْ عَلَى وِرَاثَةِ النَّصَارَى الَّتِي وَجَبَتْ لَهُمْ يَوْمَ مَاتَ صَاحِبُهُمْ، وَإِنَّمَا سَأَلْنَا مَالِكًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ «أَيُّمَا دَارٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيُّمَا دَارٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ».
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمَجُوسِ وَالزِّنْجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَهُمْ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ، وَلَا يَنْقُلُ الْإِسْلَامُ مَوَارِيثَهُمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَغَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: هَذَا لِأَهْلِ الْكُفْرِ كُلِّهِمْ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا كَانَ مِنْ مِيرَاثٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ مِيرَاثٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يُقْسَمْ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ».
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ النَّاسَ عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ.

.فِي الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أُخْتًا أَتُحَلَّفُ الْأُخْتُ مَعَ هَذَا الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّ بِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَا تُحَلَّفُ فِي النَّسَبِ مَعَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَمَا يَكُونُ لِهَذِهِ الْأُخْتِ؟
قَالَ: يُقْسَمُ مَا فِي يَدِ هَذَا الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّ بِهَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَيَكُونُ لِلَّذِي أَقَرَّ بِهَا أَرْبَعَةٌ وَلِلْجَارِيَةِ وَاحِدٌ لِأَنَّهَا قَدْ كَانَ لَهَا سَهْمٌ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، فَأُضْعِفَ ذَلِكَ فَصَارَ لَهَا سَهْمَانِ مِنْ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ فَصَارَ فِي يَدِ الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّ بِهَا سَهْمٌ مِنْ حَقِّهَا وَفِي يَدِ الْأَخِ الَّذِي جَحَدَهَا سَهْمٌ مِنْ حَقِّهَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِزَوْجَةٍ لِأَبِيهِ وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ؟
قَالَ: يُعْطِيهَا قَدْرَ نَصِيبِهَا مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَذَلِكَ نِصْفُ الثَّمَنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَتْ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا فَأَقَرَّ الزَّوْجُ بِأَخٍ وَأَنْكَرَتْهُ الْأُخْتُ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فِي إقْرَارِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُخْتِ الَّتِي أَنْكَرَتْ، وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.

.فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَلَاءِ وَلَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِتْقِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ رَجُلٌ فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ مَوْلَى هَذَا الرَّجُلِ لَا يَعْلَمَانِ لِلْمَيِّتِ وَارِثًا غَيْرَ مَوْلَاهُ هَذَا وَلَا يَشْهَدُونَ عَلَى عِتْقِهِ إيَّاهُ.
قَالَ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَلَاءِ حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَعْتَقَ الْمَيِّتَ أَوْ يَشْهَدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَبَا هَذَا الْمَيِّتِ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ لِلْمَيِّتِ وَارِثًا غَيْرَ هَذَا أَوْ أَقَرَّ الْمَيِّتُ أَنَّ هَذَا مَوْلَاهُ أَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا مَوْلَاهُ فَأَبَيَا أَنْ يَقُولَا: هُوَ مَوْلَاهُ وَلَا يَشْهَدَانِ عَلَى عِتْقِهِ وَلَا عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ فَلَا أَرَى ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَدَرَ عَلَى كَشْفِ الشُّهُودِ لَمْ أَرَ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِشَيْءٍ أَنْ يَكْشِفُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتَ الشُّهُودُ رَأَيْتُهُ مَوْلَاهُ وَقُضِيَ لَهُ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ الصَّرْفِ:

.التَّأْخِيرُ وَالنَّظِرَةُ فِي الصَّرْفِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت حُلِيًّا مَصُوغًا فَنَقَدْتُ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَلَمْ أَنْقُدْ بَعْضَهُ أَتَفْسُدُ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بَيْنَنَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ صَرْفٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ ذَهَبًا فَقُلْت: بِعْنِي الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَدْفَعُهَا إلَيْك، فَفَعَلَ، فَدَفَعْت إلَيْهِ تِسْعَمِائَةٍ دِرْهَمٍ ثُمَّ فَارَقْته قَبْلَ أَنْ أَدْفَعَ إلَيْهِ الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ وَتَكُونُ الدَّنَانِيرُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ قَبَضَهَا كُلَّهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا.
قلت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عَلَيَّ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ بِعْته بِهَا طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الطَّوْقَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَيَرُدُّ الطَّوْقَ وَيَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الطَّوْقَ قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُلِيُّ فِي هَذَا وَالذَّهَبُ وَالدَّنَانِيرُ سَوَاءٌ لِأَنَّ تِبْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ.
قلت: أَرَأَيْت إنْ صَرَفْتُ مِائَةَ دِينَارٍ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كُلُّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَبَضْت الْأَلْفَ دِرْهَمٍ وَدَفَعْت خَمْسِينَ دِينَارًا ثُمَّ افْتَرَقْنَا أَيَبْطُلُ الصَّرْفُ كُلُّهُ أَمْ يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الدَّنَانِيرِ النَّقْدِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَبْطُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ حِصَّةُ الْخَمْسِينَ النَّقْدِ.
قلت: أَرَأَيْت إنْ كُنْت دَفَعْت إلَيْهِ الْمِائَةَ دِينَارٍ وَقَبَضْت مِنْهُ الْأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ الدَّنَانِيرِ خَمْسِينَ مِنْهَا رَدِيئَةً فَرَدَّهَا أَيُنْتَقَضُ الصَّرْفُ كُلُّهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُنْتَقَضُ مِنْ الصَّرْفِ إلَّا حِصَّةُ مَا أَصَابَ مِنْ الرَّدِيئَةِ.
قلت: فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا حِينَ أَصَابَ خَمْسِينَ رَدِيئَةً جَوَّزَتْ الْخَمْسِينَ الْجِيَادِيَّةَ وَبَيْنَ الَّذِي صَرَفَ فَلَمْ يَنْقُدْ إلَّا خَمْسِينَ، ثُمَّ افْتَرَقَا أَبْطَلَ مَالِكٌ هَذَا وَأَجَازَهُ إذَا أَصَابَ خَمْسِينَ مِنْهَا رَدِيئَةً بَعْدَ النَّقْدِ أَجَازَ مِنْهَا الْجِيَادَ وَأَبْطَلَ الرَّدِيئَةَ؟ قَالَ لِأَنَّ: الَّذِي لَمْ يَنْقُدْ إلَّا الْخَمْسِينَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ فَاسِدَةً فِيهِ كُلِّهِ، وَهَذَا الَّذِي أَنْقَدَ الْمِائَةَ كُلَّهَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ صَحِيحَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَالَ: أَنَا أَقْبَلُ هَذِهِ الرَّدِيئَةَ وَلَا أَرُدُّهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، فَهُوَ لَمَّا أَصَابَهَا رَدِيئَةً فَرَدَّهَا انْتَقَضَ مِنْ الصَّرْفِ بِحِسَابِ مَا أَصَابَ فِيهَا رَدِيئَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ مَخْرَمَةَ بْنَ بُكَيْرٍ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ»، فَإِذَا افْتَرَقَا مِنْ قَبْلِ تَمَامِ الْقَبْضِ كَانَا قَدْ فَعَلَا خِلَافَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَيْهِ أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ فَارَقَهُ وَإِنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ بْنَ عُمَرَ قَالَ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ مِنْهَا شَيْئًا لَا خَيْرَ فِيهِ فَأَرَادَ رَدَّهُ انْتَقَضَ صَرْفُهُ كُلُّهُ وَلَا يُبَدَّلُ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ رَدَّهُ لَكَانَ عَلَى صَرْفِهِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَدْ كَانَ يُجِيزُ الْبَدَلَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ، وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا ثُمَّ أَصَابَ رَدِيئًا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُبْطِلُ عَقْدَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ كَانَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ اصْطَرَفَ وَرِقًا فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِهَا فَمَا رَدُّوا عَلَيْك فَأَنَا أُبْدِلُهُ لَك قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لِيَقْبِضْهَا مِنْهُ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ.
ابْنُ وَهْبٍ، وَأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ ذَكَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ حُرَيْثٍ كَانَ يَقُولُ: لَوْ صَرَفَ رَجُلٌ فَقَبَضَ صَرْفَهُ كُلَّهُ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَا كَانَ فِيهَا نَاقِصًا كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ كَانَ ذَلِكَ رِبًا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ صَرَفْتُ دِينَارًا عِنْدَ رَجُلٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقُلْت لَهُ: أَعْطِنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَعْطِنِي بِالْعَشَرَةِ الْأُخْرَى عَشَرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ كُلَّ يَوْمٍ رِطْلُ لَحْمٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَعَ الدَّرَاهِمِ شَيْءٌ بِصَرْفِ هَذَا الدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَتَأْخِيرٌ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَعَ الدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ يَنْقُدُهُ النِّصْفَ الدِّينَارَ وَالسِّلْعَةُ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ذَهَبَ بِهِ لِيَصْرِفَ دِينَارَهُ وَيَنْقُدَهُ النِّصْفَ الدِّينَارَ وَالسِّلْعَةُ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: عِنْدِي دَرَاهِمُ فَادْفَعْ إلَيَّ الدِّينَارَ وَأَنَا أَرُدُّ إلَيْك النِّصْفَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا بَيْنَهُمَا.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ.
قُلْت: لِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ رَآهُ صَرْفًا وَسِلْعَةً تَأَخَّرَتْ السِّلْعَةُ لَمَّا كَانَتْ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ قُلْت: لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْت: فَهَذَا بَيْعٌ وَصَرْفٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ جَوَّزَهُ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَأْخُذُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَسِلْعَةً مَعَ الدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَك إنَّمَا ذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ فِي الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا يُجِيزُهُ، فَإِذَا كَانَ كَثِيرًا وَاجْتَمَعَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيهِمَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ صَرَفْت دِينَارًا فَأَخَذْت بِنِصْفِهِ دَرَاهِمَ وَنِصْفِهِ فُلُوسًا قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت ثَوْبًا وَذَهَبًا صَفْقَةً بِدَرَاهِمَ فَنَقَدْت بَعْضَ الدَّرَاهِمِ أَوْ كُلَّ الدَّرَاهِمِ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا ثُمَّ افْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ أَنْقُدَهُ الدِّرْهَمَ الْبَاقِيَ قَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقِدْهُ جَمِيعَ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ الصَّفْقَةُ فِي هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَ الذَّهَبُ الَّذِي مَعَ الثَّوْبِ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يَكُونُ صَرْفًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الذَّهَبُ كَثِيرًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ انْتَقَدَ جَمِيعَ الصَّفْقَةِ.

.التَّأْخِيرُ فِي صَرْفِ الْفُلُوسِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا فَاسِدٌ، قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ: لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةً بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً.
قلت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت خَاتَمَ فِضَّةٍ أَوْ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرَ ذَهَبٍ بِفُلُوسٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا بِالدَّنَانِيرِ نَظِرَةً.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: الْفُلُوسُ بِالْفُلُوسِ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ فَهُوَ لَا يَصْلُحُ فِي عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَإِلَّا عَاجِلٌ بِعَاجِلٍ وَلَا يَصْلُحُ بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ قَالَ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَا الْفُلُوسَ بِالْفُلُوسِ وَبَيْنَهُمَا فَضْلٌ أَوْ نَظِرَةٌ وَقَالَا: إنَّهَا صَارَتْ سِكَّةً مِثْلَ سِكَّةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَا: وَشُيُوخُنَا كُلُّهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ صَرْفَ الْفُلُوسِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: إذَا صَرَفْت دِرْهَمًا فُلُوسًا فَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَهُ كُلَّهُ.

.فِي مُنَاجَزَةِ الصَّرْفِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُلْت لِرَجُلٍ وَنَحْنُ جُلُوسٌ فِي مَجْلِسٍ: بِعْنِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَالَ: نَعَمْ قَدْ فَعَلْت، وَقُلْت أَنَا أَيْضًا: قَدْ فَعَلْت، فَتَصَارَفْنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى إنْسَانٍ إلَى جَانِبِهِ فَقَالَ: أَقْرِضْنِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَالْتَفَتُّ أَنَا إلَى آخَرَ إلَى جَانِبِي فَقُلْت: أَقْرِضْنِي دِينَارًا فَفَعَلَ، وَدَفَعْت الدِّينَارَ إلَيْهِ وَدَفَعَ إلَيَّ الْعِشْرَيْنِ دِرْهَمًا أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا خَيْرَ فِي هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ نَظَرْت إلَى دَرَاهِمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ إلَى جَنْبِي فَقُلْت: بِعْنِي مِنْ دَرَاهِمِك هَذِهِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، وَقُلْت: قَدْ قَبِلْتُ فَوَاجَبْتُهُ الصَّرْفَ ثُمَّ الْتَفَتّ إلَى رَجُلٍ إلَى جَنْبِي فَقُلْت لَهُ: أَقْرِضْنِي دِينَارًا فَفَعَلَ فَدَفَعْت إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضْت الدَّرَاهِمَ أَيَجُوزُ هَذَا الصَّرْفُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ الدِّينَارَ إلَى الصَّرَّافِ يَشْتَرِي بِهِ مِنْهُ دَرَاهِمَ فَيَزِنُهُ الصَّرَّافُ وَيُدْخِلُهُ تَابُوتَهُ وَيُخْرِجُ دَرَاهِمَ فَيُعْطِيهِ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا، وَلْيَتْرُكْ الدِّينَارَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُخْرِجَ دَرَاهِمَهُ فَيَزِنَهَا ثُمَّ يَأْخُذَ الدِّينَارَ وَيُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي اشْتَرَى هَذِهِ الدَّرَاهِمَ كَأَنَّمَا اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مُتَّصِلًا قَرِيبًا بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ يَحُلُّهَا مِنْ كُمِّهِ وَلَا يَبْعَثُ رَسُولًا يَأْتِيهِ بِالذَّهَبِ وَلَا يَقُومُ إلَى مَوْضِعٍ يَزِنُهَا أَوْ يَتَنَاقَدَانِ فِي مَجْلِسٍ سِوَى الْمَجْلِسِ الَّذِي تَصَارَفَا فِيهِ وَإِنَّمَا يَزِنُهَا مَكَانَهُ وَيُعْطِيه دِينَارَهُ مَكَانَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَقِيَ رَجُلًا فِي السُّوقِ فَوَاجَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ مَعَهُ ثُمَّ سَارَ مَعَهُ إلَى الصَّيَارِفَةِ لِيَنْقُدَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ قَالَ لَهُ: إنَّ مَعِي دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ الْمُبْتَاعُ: اذْهَبْ بِنَا إلَى السُّوقِ حَتَّى نُرِيَهَا ثُمَّ نَزِنَهَا وَنَنْظُرَ إلَى وُجُوهِهَا فَإِنْ كَانَتْ جِيَادًا أَخَذْتهَا مِنْك كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا بِدِينَارٍ.
قَالَ: لَا خَيْرَ فِي هَذَا أَيْضًا وَلَكِنْ يَسِيرُ مَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ فَإِنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ.
قُلْت: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلرَّجُلَيْنِ أَنْ يَتَصَارَفَا فِي مَجْلِسٍ ثُمَّ يَقُومَانِ فَيَزِنَانِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا حَضَرُوا مِيرَاثًا فَبِيعَ فِيهِ حُلِيٌّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ ثُمَّ قَامَ بِهِ إلَى السُّوقِ إلَى الصَّيَارِفَةِ لِيَدْفَعَ إلَيْهِ نَقْدَهُ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَرَأَيْتُهُ مُنْتَقِضًا إنَّمَا بِيعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَنْ يَأْخُذَ وَيُعْطِيَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ وَلَا يَتَأَخَّرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ حُضُورِ الْبَيْعِ.
مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا عَيْنًا بِعَيْنٍ إنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الرِّبَا، وَلَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَلَا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ».
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي صَرَفْت مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَمَّا قَبَضْت الدِّينَارَ مِنْهُ؛ قلت لَهُ: أَسْلِفْنِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَأَسْلَفَنِي فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ صَرْفَ دِينَارِهِ قَالَ: هَذَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَهَذَا رَجُلٌ أَخَذَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا وَصَارَ إلَيْهِ دِينَارٌ فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ أَخَذَ دِينَارًا فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا إلَى أَجَلٍ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا؛ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَادَلَ رَجُلًا دَنَانِيرَ تَنْقُصُ خَرُّوبَةً خَرُّوبَةً بِدَنَانِيرَ قَائِمَةٍ فَرَاطَلَهُ بِهَا وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَمَّا فَرَغَا أَخَذَ وَأَعْطَى فَأَرَادَ أَنْ يَصْطَرِفَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دِينَارًا مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسْأَلُ رَجُلًا ذَهَبًا فَأَتَاهُ بِهَا فَقَضَاهُ فَرَدَّهَا إلَيْهِ مَكَانَهُ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا، وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الصَّرْفِ.
قَالَ مَالِكٌ: أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّنَانِيرُ فَيُسْلِفُهُ دَنَانِيرَ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ بِغَيْرِ شَرْطِ أَنْ يَقْضِيَهُ إيَّاهَا فَلَمَّا قَبَضَ ذَهَبَهُ وَوَجَبَ لَهُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ: هَذَا قَضَاءٌ مِنْ ذَهَبِك الَّذِي تَسْأَلُنِي.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدِي وَجْهٌ وَاحِدٌ أَكْرَهُ ذَلِكَ بِحِدْثَانِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ بِعْتهَا مِنْ رَجُلٍ بِدَنَانِيرَ نَقْدًا أَيَصْلُحُ ذَلِكَ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ وَيَنْقُدَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الدَّرَاهِمَ مَكَانَهُ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ هَذَا صَرْفٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ بِالْعُرُوضِ نَقْدًا فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ حَتَّى تَصِيرَ صَرْفًا فَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: إنِّي أَكْرَهُ أَنْ آتِيَ رَجُلًا عِنْدَهُ ذَهَبٌ نَوَاقِصُ بِذَهَبٍ وَازِنَةٍ فَأَصْرِفَ مِنْهُ بِذَهَبِي الْوَازِنَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَصْرِفُ مِنْهُ دَرَاهِمِي الَّتِي أَخَذْت مِنْهُ بِذَهَبِهِ النَّوَاقِصِ وَقَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ تِلْكَ الْمُدَالَسَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: إذَا أَرَدْت أَنْ تَبِيعَ ذَهَبًا نَقْصًا بِوَازِنَةٍ فَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُرَاطِلُكَ فَبِعْ نَقْصَك بِوَرِقٍ ثُمَّ ابْتَعْ بِالْوَرِقِ وَازِنَةً وَلَا تَجْعَلْ ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَزِيَادَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّك قَدْ رَدَدْت إلَيْهِ وَرِقَهُ وَأَخَذْت مِنْهُ ذَهَبًا وَازِنَةً بِنَقْصِك.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ صَرَفْت دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ وَكِلَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ جَلَسْنَا سَاعَةً فَنَقَدَنِي وَنَقَدْته وَلَمْ نَفْتَرِقْ أَيَجُوزُ هَذَا الصَّرْفُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الصَّرْفُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ إذَا صَارَفْتَ الرَّجُلَ إلَّا أَنْ تَأْخُذَ وَتُعْطِيَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ الدِّينَارَ فَيَخْلِطَهُ بِدَنَانِيرِهِ ثُمَّ يُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ فَيَدْفَعُهَا إلَيْك.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت سَيْفًا مُحَلًّى كَثِيرَ الْفِضَّةِ نَصْلُهُ تَبَعٌ لِفِضَّتِهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَبَضْته ثُمَّ بِعْته مِنْ إنْسَانٍ إلَى جَانِبِي ثُمَّ نَقَدْت الدَّنَانِيرَ صَاحِبَهُ قَالَ: لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ السَّيْفِ أَنْ يَدْفَعَ السَّيْفَ حَتَّى يَنْتَقِدَ وَلَا يَصْلُحَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَ السَّيْفَ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ، فَأَمَّا الْبَيْعُ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَسْأَلَتِك وَكَانَ نَقْدُهُ إيَّاهُ مَعًا مَضَى، وَلَمْ أَرَ أَنْ يُنْتَقَضَ الْبَيْعُ وَرَأَيْته جَائِزًا.
قلت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت سَيْفًا مُحَلًّى نَصْلُهُ تَبَعٌ لِفِضَّتِهِ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ افْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ أَنْقُدَهُ الدَّنَانِيرَ وَقَدْ قَبَضْت السَّيْفَ مِنْهُ ثُمَّ بِعْت السَّيْفَ فَعَلِمَ بِقَبِيحِ ذَلِكَ قَالَ: أَرَى أَنَّ بَيْعَ الثَّانِي لِلسَّيْفِ جَائِزٌ، وَأَرَى لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي قِيمَةَ السَّيْفِ مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ قَبَضَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هَكَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَبِيعَةَ كَانَ يُجِيزُ إذَا كَانَ مَا فِي السَّيْفِ أَوْ الْمُصْحَفِ مِنْ الْفِضَّةِ تَبَعًا لَهُ أَنْ تَبْتَاعَ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُهُ وَمَا يُشَدِّدُ فِيهِ ذَلِكَ التَّشْدِيدَ لِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ لَمَّا كَانَ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ وَلِأَنَّ فِي نَزْعِهِ مَضَرَّةً.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَجَعَلْت هَذَا مِثْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَسْوَاقُهُ عِنْدِي قَبْلَ أَنْ أَبِيعَ السَّيْفَ أَتَحْمِلُهُ مَحْمَلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَتُضَمِّنُنِي قِيمَتَهُ وَلَا تَجْعَلُ لِي رَدَّهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدَيَّ؟
قَالَ: إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدَيْك فَلَا أَجْعَلُهُ مِثْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأَرَى لَك أَنْ تَرُدَّهُ، لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَيْسَ فِيهَا تَغْيِيرُ أَسْوَاقٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدَيْك بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فَلَكَ أَنْ تَرُدَّهَا.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَ السَّيْفَ عِنْدِي عَيْبٌ انْقَطَعَ أَوْ انْكَسَرَ الْجَفْنُ قَالَ: فَأَنْتَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضْته.
قَالَ سَحْنُونٌ: هَذَا مِنْ الرِّبَا وَيُنْتَقَضُ فِي الْبِيَاعَات كُلِّهَا حَتَّى يُرَدَّ إلَى رَبِّهِ إلَّا أَنْ يَتْلَفَ أَلْبَتَّةَ وَيَذْهَبَ فَيَكُونَ عَلَى مُشْتَرِيهِ قِيمَةُ الْجَفْنِ وَالنَّصْلِ وَوَزْنُ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَيْسَ فِيهَا فَوْتٌ.
وَكَذَلِكَ إذَا انْقَطَعَ السَّيْفُ أَوْ انْكَسَرَ الْجَفْنُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ النَّصْلِ وَالْجَفْنِ وَوَزْنُ الْوَرِقِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَإِذَا كَانَتْ حِلْيَةُ السَّيْفِ الثُّلُثَ فَأَدْنَى حَتَّى تَكُونَ الْحِلْيَةُ تَبَعًا بِيعَ السَّيْفُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ حِلْيَةُ السَّيْفِ فِي مِثْلِ هَذَا مَا نَقَضْت بِهِ الْبَيْعَ وَلَا أَرْجَعْته بِشَيْءٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ كَمَالِ الْعَبْدِ.